بحث مخصص

الثلاثاء، 8 ديسمبر 2009

توسيع مدى الإدراك

توسيع مدى الإدراك
________________________________________

هل يمكنك أن ترى الأشياء من الأمام ومن الخلف ومن الداخل في نفس الوقت؟ هل تستطيع أن ترى واجهة المبنى وداخله وخلفه في آن واحد؟ عندما تكون في داخل حجرة هل يمكنك أن تراها من الخارج؟ عندما تزور منزلا لصديق لك هل تراه بنفس النظرة التي تنظر بها لمنزل تريد أن تسكن فيه؟ هل ترى تفاصيل الأشياء البعيدة؟ هل نظرتك إلى حديقة جميلة وأنت حزين مشابهة لنظرتك لنفس الحديقة وأنت سعيد؟
لماذا كانت الإجابة لكل هذه الأسئلة هي “لا”. لأن نظرنا محدود بحدود كثيرة.
• لا يمكننا الرؤية من خلال الحوائط
• يمكننا رؤية تفاصيل الأشياء القريبة فقط
• لا يمكننا رؤية الأشياء من الأمام والخلف في نفس الوقت
• نظرتنا للأمور تختلف حسب حالتنا المزاجية
• نظرتنا للأمور تختلف حسب علاقتنا بالأمر

في الشكل أعلاه تلاحظ أن الشخص “أ” يرى المبنى من الأمام بينما الشخص “ب” يراه من الخلف. أما الشخص “ج” فيراه من الداخل بينما الشخص “د” يراه من الجانب. وعن بُعد يرى الشخص “ف” المبنى من زاوية أخرى. كل واحد من هؤلاء يرى شيئا مختلفا عن ما يراه الآخر وكلها أشياء تخص هذا المبنى. لا تستطيع أن تقول أن أحدهم يرى أفضل من الآخر فكل منهم يرى شيئا مكملا لما يراه الآخر.
هل هذا درسٌ في الطب؟ لا ولكنه أمر متعلق بالإدارة فلأن نظرنا محدود بحدود كثيرة فإنه يترتب علينا بذل مجهود وربما إنفاق المال لكي نرى الأشياء من كل الزوايا ونراها بمختلف النظرات. فكل منا يرى الأشياء القريبة من زاوية محدودة ولكل منا علاقته بهذه الأشياء التي تجعل نظرته مختلفة. فالشركة المنتجة ترى المنتج من زاوية محدودة بحكم كونها الشركة المنتجة ولكن هذه الرؤية تختلف عن رؤية العميل فالعميل علاقته بالمنتج مختلفة. لكي نستطيع تطوير المنتج لابد أن نعرف كيف يراه العميل وما هو الذي أعجبة ولم يعجبه في المنتج بالإضافة إلى ما نعرفه نحن كمنتجين عن المنتج نفسه. أي أننا بحاجة لتوسيع رؤيتنا لتشمل رؤية العميل كذلك.
ماذا تفعل إذا أردت أن تشتري أو تستأجر منزلا؟ هل تنظر إليه من الداخل فقط أم تدور حول المبنى لكي تراه من كل الجوانب وقد تطلب من صديق أو قريب أن يأتي معك لكي يرى المنزل؟ لماذا تفعل ذلك؟ لأنك تعرف أنك تحتاج إلى النظر من كل الجوانب ولأنك تعرف أن نظرة شخص واحد قاصرة وأن رؤية صديقك قد تختلف عنك. ولكننا مع الأسف قد نتصرف بطريقة مختلفة في العمل وننسى أننا نرى من جانب واحد فقط وننسى أننا بحاجة لرؤية الجوانب الأخرى.
في الأقسام التالية من هذه المقالة أعطي أمثلة إدارية تكون فيها الحاجة واضحة لتوسيع الإدراك ورؤية كل الجوانب.
مديري المؤسسة والمنتج
كيف يرى مدير المؤسسة المنتج الذي تنتجه هذه المؤسسة؟ وكيف يرى مدير التصنيع المنتج؟ وكيف يرى مدير التسويق المنتج؟ وهل نظرتهم هي نفس نظرة العميل؟ إن مدير المؤسسة يراه من زاوية تختلف عن الزاوية التي يرى منها مدير التصنيع والتي تختلف كذلك عن زاوية مدير التسويق وكلهم يختلفون عن زاوية العميل. لذلك فإن كلا منهم يرى شيئا مختلفا. فمدير المؤسسة يرى المنتج من وجهة نظره والتي قد تختلف كثيرا عن رؤية المستهلك وهو كذلك يرى المنتج من الناحية المادية والتصنيعية وليس عجيبا أن يشعر بحُبٍ تجاه منتجه. مدير التصنيع يرى تفاصيل العملية الصناعية ولكنه لا يرى الناحية المالية ولا يرى العميل ولا يعرف شعوره عند استخدام المنتج. مدير التسويق يرى بعضا من هنا وبعضا من هنا. أما العميل فهو لا يعرف شيئا عن تصنيع المنتج ولا يهتم بالأمور المالية للمؤسسة ولكنه يهتم باستخدام المنتج وسعره.

إذن فكل منهم يرى شيئا محدودا. العميل بالطبع لن يهتم ولن يفيده أن يرى الزوايا الأخرى. أما العاملين في المؤسسة فهم بحاجة شديدة لمعرفة ما يراه العميل لأن هذه هي الوسيلة لتطوير المنتج بل ولتقديم منتجات أخرى. لذلك فإن الشركات الجادة تقوم باستمرار بسؤال العملاء عن رضائهم عن الخدمة وتقييمهم لها. وتقوم كذلك بملاحظة إقبال العملاء على منتجهم وقد تعقد حلقات Focus Groups لمناقشة العملاء في منتجهم او منتجاتهم القادمة. وهناك ما يعرف باختبار السوق Market Test حيث تقوم الشركة باختبار منتجها عن طريق بعض العملاء.
رؤية المنتج من زاوية العميل هو أمر أساسي وإلا سيطرت علينا نظرتنا نحن والتي تختلف كثيرا عن نظرة العميل. نحن نرى المنتج من ناحية وهو يراه من نواحٍ أخرى. فكيف نستطيع إرضاءه ونحن لا نرى ما يراه؟ إن الحصول على معلومات من العملاء هو أمرٌ مهم جدا وينبغي أن نبذل فيه الوقت والمال. فبعض الشركات قد تقوم بتغيير الخدمة وتطويرها ولا تهتم بسؤال العملاء لا قبل ولا بعد التغيير وقد يتصور مدير الشركة أنه قد قام بتطوير هائل في حين أن العميل يشعر أن الخدمة قد ساءت.
المدير والمرؤوسين
هل يرى المدير قراراته الإدارية بنفس الطريقة التي يرى بها المرؤوسين تلك القرارات؟ إن المدير يرى قراراته من حيث أنها من إنتاجه فهو يميل دائما إلى كون قراراته صحيحة وهو كذلك يراها بناء على ما كان متاحا له من معلومات وقت اتخاذ القرار. والمرؤوسين يرون القرار من حيث تأثيره عليهم وبناء على ما هو متاح لهم من معلومات والتي قد تكون مختلفة عن تلك التي كانت متاحة للرئيس عند اتخاذ قراره.

المدير يحتاج أن يرى القرار من زاوية المرؤوسين لكي يعرف صحة قراره من عدمه. لكي يرى القرار من زاوية المرؤوسين فإنه يمكنه اتباع أمور عديدة منها:
• أن يسألهم بشكل مباشر قبل اتخاذ القرار
• أن يسألهم بعد اتخاذ القرار بفترة ليعرف النتائج وتأثير القرار أو انطباعاتهم
• أن يلاحظ تأثير القرار عليهم او على العمل
إن المدير عندما يظل يتخذ القرارات بدون أن يعرف رؤية المرؤوسين لها فإنه يعيش في عالم مُنعزل ويتخذ قرارات لا علاقة لها بالواقع وباالتالي يقع في أخطاء كبيرة. الأمر ليس فيه مكابرة! أنت ترى الأمور من زاوية محدودة وتحتاج لتوسيع هذه الزاوية لكي تستطيع اتخاذ قرار سليم. بالإضافة لذلك فإنك قد تجد عند المرؤوسين رؤية جديدة للأمر، وهذا مشابه تماما لاصطحابك لصديقك لمعاينة المنزل الذي قد تستأجره.
من ناحية أخرى فإن المرؤوسين قد لا يقتنعون بالقرارات التي يتخذها المدير لعدم رؤيتهم لأسباب القرار التي يراها هو، فهم يرون القرار من الجانب الآخر. لذلك فإنه في حالة القرارات التي يكون فيها اقتناع المرؤوسين بالقرار مهما فإن على المدير توضيح الأمور قبل أو بعد اتخاذ القرار وقد يسمح لهم بالمشاركة في إعداد القرار حسب طبيعة الأمور.
المهندس أو المدير والمصنع
كيف يرى مدير الإنتاج أو المهندس المصنع وهو في مكتبه؟ إنه يرى صورة في خياله أو على الورق للمصنع ويتصور أن الأمور تسير كما يتخيلها أو كما طلب أن تسير. المهندس يرى العملية الإنتاجية بناء على حسابات وتصميمات هندسية وأوامر وتعليمات تشغيل. كيف يرى المشغلون المصنع؟ إنهم يرون الواقع بعيدا عن الرسومات والحسابات.

إن المدير أو المهندس يحتاج لأن يرى المصنع من زاوية الواقع لذلك فإنه يحتاج لأن يزور المصنع باستمرار وأن يتواجد هناك لبعض الوقت لكي يرى الصورة الواقعية ويرى المشاكل الحقيقية. قد يكتشف أن الأمور تسير بطريقة مختلفة تماما عن تصميم المصنع أو عن حساباته أو عن تعليمات التشغيل. هذا قد يكون راجعا في كثير من الاحيان إلى أسباب مقبولة مثل عدم توفر بعض الأدوات أو وجود عيوب في المعدات لم يتم إصلاحها أو وجود طريقة أفضل للإنتاج. وقد يكون كذلك راجعا إلى الإهمال مثل أن يتكاسل العمال عن بعض الإجراءات أو يتبعوا طريقة خاطئة للإنتاج.
المدير أو المهندس يحتاج كذلك لمشاركة المشغلون الذين يعملون على أرض الواقع في حل المشاكل وتطوير العملية الإنتاجية. لماذا؟ لأنه حتى وإن زار المصنع بصفة دورية فهو لا يرى كل ما يراه العمال المتعاملين بشكل مباشر ومستمر مع المعدات. هذه الرؤية والمعلومات التي لديهم هي أمر مهم جدا عند حل المشاكل وتطوير المعدات. فقد تكون هناك امور كثيرة في الواقع مختلفة عن التصميم الأصلي وقد يكون لديهم الكثير من المعلومات والخبرة التي لا يعرفها المهندس أو المدير.
المدير والمهندس يَرَيان تفاصيل مختلفة من المصنع. فالمدير يرى أرقاما مالية ويرى أمورا تنظيمية وإدارية ويتابع أرقام الإنتاج ولكنه يعرف القليل عن التفاصيل الفنية التي يتخصص فيها المهندس. لذلك فإن المدير والمهندس يجب أن يلتقيا وأن يتعاونا للوصول إلى حلول سليمة تغطي النواحي الإدارية والمالية والفنية. وبطبيعة الحال فكما ذكرنا فإن العمال الذين يتعاملون مع المعدات بشكل مباشر لابد أن يلتقوا مع المدير والمهندس في نقطة وسط تجمع كل الرُؤى.
الإدارة والإدارات الأخرى
كل إدارة في المؤسسة تعرف عملها وتحاول أداءه بشكل جيد وهي كذلك تعرف وظيفة الإدارات الأخرى. ولكن كل إدارة لا تعرف حقيقة عمل الإدارات الأخرى ولا المشاكل التي تواجههم. هذا النقص في المعرفة عن كيفية أداء الإدارات الأخرى لأعمالها يجعلنا نتخذ قرارات تتسبب في صعوبات للإدارات الأخرى دون أن نشعر. فمدير نظم المعلومات يستحدث أنظمة لا تُفيد العاملين، والموارد البشرية تطالب العاملين بأمور لا تناسب عملهم، والتدريب لا يقترب من الواقع، ومدير التسويق يطالب إدارة الإنتاج بأمور تعجز عنها، وإدارة الإنتاج تريد أن تنتج منتجا لا علاقة له بحاجات العملاء، ومدير الإنتاج يطلب طلبات مستحيلة من إدارة نُظم المعلومات….وهكذا.

لكي يحدث هذا التفاهم والتقارب فإن هناك أساليب عديدة منها:
• تدوير الموظفين Job Rotation بمعنى نقل الموظفين من عمل لآخر كل فترة زمنية لكي يكونوا على علم بطبيعة العمل في الأماكن المختلفة. هذا الأمر له فوائد أخرى مثل عدم شعور المظفين بالملل وكذلك وجود أفكار جديدة باستمرار ووجود بدائل لأي موظف أو مدير. هذا التدوير قد يكون كل عدة سنوات عند التدوير من إدارة لأخرى وقد يتم بشكل يومي داخل نفس مكان العمل كما يحدث في بعض المؤسسات مت تدوير العمال من مهمة لأخرى داخل نفس القسم أو الإدارة
• تكوين فرق عمل Teams لحل المشاكل وتطوير العمل أو المنتجات. وظيفة فرق العمل هذه أنها تتيح تفاعل وجهات النظر المختلفة وعرض الرؤى المختلفة للأمر من زوايا كل الإدارات. هذه الفرق تسمح لأعضائها بالتعرف على طبيعة عمل الإدارات المشاركة في الفريق.
• محاولة التعرف على طبيعة مشاكل الإدارات الأخرى بنفس الطريقة التي نتعامل بها مع العملاء. يمكننا أن نزورهم ونزور مواقع عملهم ويمكننا سؤالهم ويمكننا ملاحظة تأثير طلباتنا أو قراراتنا أو خدماتنا عليهم. يمكننا أن نأخذ الامر من زاوية أخرى وهي أن هذه الإدارة هي إما بمثابة عميل لنا أو مورد لنا. فكما ينبغي أن نتعرف على حاجات العميل وقدرات المورد فعلينا أن نتعرف على طبيعة عمل وقدرات الإدارات الأخرى التي نتعامل معها
• عقد ندوات تعريفية بأنشطة كل إدارة أو بما تم استحداثه أو بالمشاريع الجديدة في كل إدارة …..
هذه الأساليب لكي تكون ناجحة ينبغي أن تعمل في إطار ثقافة إرضاء العميل الداخلي والخارجي. فبينما تدوير الموظفين يجعل كل طرف يتفهم مشاكل الطرف الآخر فإن الثقافة السائدة في المؤسسة تجعل ذلك يعني محاولة مساعدة الطرف الآخر أو قد يعني تصيد الأخطاء والتدخل في عمل الطرف الآخر.
ليس من الغريب أن يكتشف موظف بعد عمله بفترة طويلة عن وجود خدمات تقدمها إدارة أخرى وهو لا يعلم. وليس من الغريب أن تكون هناك خدمات سيئة جدا والمسئول عن الخدمة يتصور أنها رائعة. وليس من الغريب أن تطلب كل إدارة ما يستحيل تلبيته عن طريق الإدارات الأخرى. هذا بسبب عدم معرفة كل إدارة بظروف الإدارات الأخرى وعدم اهتمام مقدم الخدمة بالتعريف بها أو دراسة أثرها الحقيقي.
المدرب والمتدرب
بينما يرى المدرب المادة التدريبية أمرا يسيرا فإن المتدرب قد يراها عسيرة. وقد يظن المدرب أن المتدرب قد استوعب المادة التدريبية بينما المتدرب لم يفهم شيئا. هذا بسبب أن كلا منهم يرى المادة التدريبية من ناحية مختلفة تماما. المدرب يعرف المادة التدريبية وقد فهمها منذ زمن بينما المتدرب يسمع بها لأول مرة.والمتدربون قد يختلفون فهذا يجد المادة التدريبية بسيطة والآخر يجدها متوسطة الصعوبة والأخير يراها في منتهى الصعوبة. لذلك فإن على المدرب معرفة انطباعات المتدريبن بالملاحظة والأسئلة المباشرة والتمارين والتقييم التالي للتدريب.

والأمثلة كثيرة….
هذه بعض الأمثلة للمواقف التي نحتاج فيها أن نتعرف على الرؤى الأخرى للأمور وهناك أمثلة كثيرة أخرى. المهم هو أن تُدرك حدود نظرك وإداركك وحاجتك لمعرفة رؤى الآخرين وانطباعاتهم في كثير من الأمور.هذا يساعدك على تحقيق نتائج أفضل واتخاذ قرارات سليمة. وأخيرا فإن الرؤى والانطباعات تتغير مع الزمن فليس معنى أنك درست انطباعات وحاجات العملاء منذ سنة أنها هي نفسها الآن وليس معنى أنك وجدت الموظفين سعداء بنظام المعلومات الذي طورته منذ ثلاث سنوات أنهم راضيين عنه الآن. الأمور تختلف وما تقبله لايوم قد تجده عديم القيمة غدا. فلابد أن تتعرف على هذه الرؤى باستمرار.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق