بحث مخصص

الأربعاء، 9 ديسمبر 2009

الإدارة للجميع.. حملة قومية

الإدارة للجميع.. حملة قومية
اغسطس 21
كتبت بواسطة مدير الموقع
21 اغسطس, 2008


الإدارة علم يختلف عن غيره من العلوم والفنون فى استحالة العيش بدونه.. وبه نتمكن من تجنب الآلام والمشاكل والنكسات. تدخل فى كل مجريات الحياة بمختلف صورها حتى تلك الأنشطة الإنسانية التى قد نعتقد لشدة بساطتها أنها قد لا تحتاج إلى هذا العلم الجليل. بل أن التنظيمات على مختلف أنواعها بما فيها التنظيمات غير الشرعية تتخذ من الإدارة وسيلة لتحقيق أهدافها كما أن الصراع والتسابق بين الدول يقوم فى مجمله على قدرة كلى طرف على إدارة موارده، معلوماته، فرصه، قدراته، تاريخه بصورة فعالة ومؤثرة.
لقد كانت الإدارة والقيادة يوماً ترجمة مباشرة للمواهب الفذة للقائد أو الإدارى، وكنا نبحث عن القائد الموهوب والمدير بالفطرة، أما الآن وبعد أن صارت الإدارة فى تطورها علماً تحكمه التكنولوجيا والأساليب العلمية، لم يعد لنا رفاهية انتظار ظهور القائد الإدارى الفذ، واصبح واجباً علينا أن نعمل على توفير آليات وأدوات تربية وبناء (جيل مثقف إدارياً) تماماً، كما نسعى إلى تثقيفه فنياً ودينياً.
عن التطور الذى حققته الدول المتقدمة التى لجأت إلى الاستخدام الفعال لأفكار وطاقات مواردها البشرية والاقتصادية كان نتيجة منطقية لاستثمار علم الإدارة فى مختلف جوانب الحياة. لقد كانت النظريات والأفكار الإدارية الإبداعية فى مجالات التسويق والإنتاج وإدارة الموارد المالية والبشرية نقطة تحول رئيسية للدول العظمى فى حروبها للدفاع عن أراضيها أو حتى لاحتلال أراضى الغير. فالسياسة والاقتصاد والاجتماع وغيرها من العلوم لا غنى عنها لفكر وعلم فن الإدارة حتى صارت كلمة الإدارة الفعالة مرادفة لصناعة التقدم.
وإن كان هذا هو مدى الأثر الذى تتركه الإدارة على مجريات الأمور هنا وهناك. فمن الأولى أن نوليها اهتماماً يليق بأثرها وذلك بأن نفتح لها نوافذ انطلاق تتسم بالرحابة والسعة، ونفتح بها فى الوقت نفسه مساحات حرة من التفكير والإبداع لحياة كريمة منظمة إدارياً للمواطن البسيط، وأحسب أن هذا الاهتمام يرقى إلى الاهتمام الخاص الذى توليه الدولة بالطفل والقراءة والمرأة والشباب.
نحن نحتاج إلى حملة قومية للإدارة، تصبح معها ممارسات الإدارة الناجحة متاحة للجميع، حملة قومية شاملة تجعل من الإدارة علم حياة وأسلوب عمل ومحور تقدم يمكننا من التنقيب عن فرص التميز بالمستقبل، وتسهل لنا رصد مواقع الإبداع فى عقول شباب مصر الواعد.
إن التكلفة المترتبة على إعادة بعض الأعمال (مرة ثانية) لعدم سلامة أدائها من المرة الأولى، والتى يقدرها الخبراء بـ 15% إلى 35% من إجمالى التكاليف كفيلة بإحداث تطوير جذرى فى النتائج النهائية التى نسعى إليها..
فالاختيار السليم للمقاول سيقلل من إعادة رصف الطرق، والانتقاء الواعى للمراقب سيقلل من فرص تسرب الأسئلة وحالات الغش، والتفاوض السليم الفعال مع بعض مانحى الهبات والقروض سيزيد من فرص استثمارها والتعلم منها.
أما عن جوانب تحويل الإدارة إلى حملة قومية فهناك جوانب عديدة متعارف عليها، وتجربتنا فى الحملة القومية للطفل وحملة القراءة للجميع التى تديرها باقتدار السيدة/ سوزان مبارك، وكذلك الحملة القومية لتطوير وتعديل هيبة وصورة ودور المرأة جميعها تمدنا بركائز هذه الحملة، أهمها إعلام مستمر ومتدفق ومؤثر يحقق تهيئة اجتماعية شاملة لمعانى ومفاهيم الإدارة، ولعل من المثير للدهشة هنا أن يوقف التليفزيون البرنامج الوحيد الذى كان مخصصاً للإدارة بعنوان (عالم الإدارة) على القناة الثانية، كما قلص مرات إذاعة برنامج (الإدارة للجميع) على القناة الثالثة، وكلاهما كانا بمثابة نقطة الضوء الوحيدة التى يتواصل بها المواطن المصرى مع هذا المجال الحيوى، وأحسب أن المسئولين عن هذا القطاع الإعلامى الخطير قد اتخذوا هذا القرار كمرحلة تسبق تقديم برامج عصرية للإدارة لا تقل جذباً وأداءاً عن تلك التى تقدم بالقنوات الفضائية العالمية، ولا أحسب أن هذا القرار هو محطة وصول أو نقطة نهاية، وإلا فإن الإعلام عندئذ يسير بالاتجاه المعاكس لما يسعى غليه كل من ينشد التطور والنمو العلمى المنهجى لبلدنا، وخصوصاً وأن الفرصة الآن سانحة بعد أن صار لدينا قنوات متخصصة وأطلقنا القمر الصناعى الثانى الذى بلا شك ينقلنا نقلة موضوعية هائلة فى مجال البث الإعلامى وخدمات الإنترنت والمعلومات، وللإعلام كذلك جانب آخر وهو (الإعلام الإدارى) بالجهات الحكومية، فنادراً ما نجد ملصقات تتحدث عن السلوك الإدارى أو القيادى الفعال، أو نجد فى مطبوعات الجهات ما ينم عن وعى بأهمية الإعلام عن هذا النشاط الحيوى بين العاملين فيه.
إن الوعى بأهمية الإدارة فى بناء مجتمعنا يحتاج إلى أجنحة للتحليق والارتقاء والارتفاع حتى لا تبقى رؤيتنا لها سطحية تكتفى باجترار تجارب الماضى وسوابقه..
ومن المثير أيضاً للدهشة أن لا نجد من بين الحاصلين على شهادات الدولة التقديرية من كان يعمل فى مجال الإدارة والتنمية البشرية، فأنا لا أذكر أنى علمت أو استمعت إلى اسم أحد عمالقة الإدارة المصرية وهو يتردد فى إحدى المناسبات القومية بمناسبة فوزه بجائزة الدولة التقديري/ التشجيعية، أشك كثيراً فى أن معين مصر من علماء الإدارة قد نضب إلى الحد الذى لا نجد فيه من العمالقة من يستحق جائزة تقديرية عن جهوده فى التأليف والتأثير والعطاء الفكرى فى مجال الإدارة، بل أن حقيقة الأمر هى أن الإنجازات الكبرى بمصر الحديثة ما كانت تتم دون جهد علمى وإدارى منظم، كان محط إعجاب الجميع وأذكر منها تجربة إدارة قناة السويس، بناء السد العالى، حرب أكتوبر، تطوير محافظة الإسكندرية، مترو الأنفاق، وغيرها من النماذج الإدارية الفذة.
وأقترح أن تتسع جائزتا مبارك فى العلوم والعلوم التكنولوجية المتقدمة لتفسح مجالاً ثالثاً يخصص للإدارة، يقدر بها كل جهد مشرف، ونثمن بها كل عالم إدارى له خبراته وإسهاماته فى مجال التطوير والتنمية الإدارية وكل قيادة إدارية ناجحة مخلصة. إن التقدير السياسى والإعلامى لعلماء الإدارة وخبراتها لهو بمثابة وقود التقدم والتفوق لهم وللمجتمع. فكيف ننشد فكراً وعملاً وعلماً منظماً، وطالب العلم فى الجامعات المصرية لا يستمع إلى رواد التجارب الإدارية الناجحة. ولا يشاهد تجربة إدارية عالمية تعرض عليه من خلال أحد الأفلام التعليمية العصرية بمجال الإدارة. ولا يدرس سيرة الحياة الذاتية لأحد علماء الإدارة المصريين ونحن بلد الحضارة القديمة التى عرفت وأقدم حكومة على وجه الأرض، وشهدت حضارتها الفرعونية أرقى نماذج التشييد والبناء والعمارة والدين والحياة التى ما كان لها أن تحيا بيننا الآن ما لم تكن قائمة على علم إدارى متقدم وعلاقات إنسانية متوازنة تقوم على التعلم المتبادل، إن التفكير فى إنشاء متحف لمقتنيات الإدارة المصرية عبر العصور لجدير أن يكون أحد اهتمامات القيادة السياسية الحكيمة. إن تطوير وتحديث تدريس علوم الإدارة ستظل الشغل الشاغل لعلماء الإدارة فى جامعاتنا المصرية وخارجها باعتبارها بمثابة المحرك الرئيسى للكشف عن الإبداع المصرى المنظم باتجاه تحقيق أحلام بناء النموذج المصرى للإدارة الذى غاب كثيراً، تلك الأحلام التى تحتاج إلى أن تضم مجموعة مكتبة الأسرة (( موسوعة عربية للإدارة)) تماماً كما قدمت المكتبة موسوعة عالم الأثريات المصرى سليم حسن، أو أن تتضمن على الأقل عدداً من أمهات كتب الإدارة لكبار الأساتذة والمفكرين من علماء الإدارة المصريين والعالميين.
فكيف تزدهر الإدارة فى مصر بلا موسوعة، بلا جمعية فتية تضارع ما يوجد فى الدول المتقدمة فى القيام بدورها فى الحفاظ على التراث الإدارى، وتخليد العباقرة وبناء كيان حيوى نشط لفكر وعلم الإدارة العربية، كيف تزدهر الإدارة دون أن تخصص جائزة سنوية لأحسن بحث أو دراسة تطبيقية أدت إلى تطوير إدارى ملموس، فقد نحتاج إلى مركز قومى للبحوث الإدارية يتولى الدور الذى غاب عنا وغاب من المهام الممولة للعديد من الأجهزة التى كان الأمل معقوداً عليها للاضطلاع بهذا الدور.. باختصار
نحن نحتاج إلى إعادة رصف الطرق الإدارية لتحويلها من طرق للنقل البطئ إلى طرق سريعة، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال حملة قومية تعيد للإدارة رونقها وتحولها من سلحفاة صامتة إلى دجاجة تصيح وتبيض فكراً إبداعياً، فهل آن الأوان أن تصبح للإدارة حملة قومية؟..
بقلم دكتور/ عبدالرحمن توفيق
Trackback اطبع
الموقع Blogs مقالات دكتور/ عبدالرحمن توفيق

1 التعليقات...
رد: الإدارة للجميع.. حملة قومية
شكرا لك دكتور عبد الرحمن توفيق ..
وأدعوا الله أن تحقق مبادرتكم بانشاء قناة متخصصة لعالم الادارة في أسرع وقت ممكن من أجل التثقيف الإداري المبني على أسس سليمه، ومن منطلق هذا أستطيع أن أوضح شئ بسيط وهو أن الإنسان الذي لا يستطيع أن يدير نفسه عاجز عن إدارة أي شئ في حياته، لذلك يجب على كل منا أن يخطط وينظم أمور حياته ويراقب تحقيق أهدافه ويتابع مساراته، ويقارن بعد ذلك بين ما تحقق وما لم يتحقق لاستنتاج العظات التي يجب أن تأخذ في الاعتبار وبعد ذلك سيصبح الانسان العربي قوي بعلمه وعمله وأهدافه الطموحه وشخصيته وقيمه ومبادئه وعروبته.. لأننا جميعا سهونا عن معنى العروبة وقيمها ومبادئها وسماتها العظيمه.
لذلك يجب أن يتذكر كل منا عند ممارسة الإدارة في حياته أو مع الآخرين.. أن يكون كل منا قدوة ومعلماً وحكيماً وناصحاً أميناً ومحباً للآخرين وكريماً في العطاء ومصفحاً عن الأخطاء ومحباً للخير لجميع الناس، تاركاً الشهوات وإيذاء الآخرين لكي يحتذى به ولاينساه أحد في حياته أو بعد مماته .. وأن يتذكر أن أمامه طريق طويل للوصول إلى المجد الملبد بالعقبات وأن يأخذ نصيحة الامام أحمد بن حنبل رحمه الله نبراسا يحتذى به :
ما المجد زخرف أقوال لطالبه لا يدرك المجد إلا كل فعال
كل له غرض يسعى ليدركه والحر يجعل إدراك العلا غرضاً

بل وينبغي على الانسان العربي أن يتذكر حكمة ارسطو وذلك من أجل أن يكون باحثاً عن المعرفة والتعلم حتى يصبح ذو شأن في مجتمعه وأمته بل والعالم كله .. بهدف خروج جيل من الشباب العربي الذي يأخذ بيد الأمه للمجد كما تحقق على أيدى الأوائل من الصحابة الكرام في صدر الاسلام وهي: (إن السؤال الرئيسي ليس هو ماذا نعرف.. ولكن السؤال الأهم هو كيف نعرف وما الدليل الذي يمكن أن نقدمه لتأكيد تفسيراتنا)
وفي نهاية تعليقي هذا ساذكر قانون التحدي وأدعوا كل شاب عربي أن يتذكره جيدا في حياته من أجل أن يركز على تحقيق حلمه واهدافه:

دع الآخرين يعيشون حياة هامشية كانوا سبباً فيها أما أنت فلا...
دع الآخرين يتنازعون حول أشياء تافهة، بسبب نظراتهم القصيرة أما أنت فلا...
دع الآخرين يتألمون من أوجاع خفيفة كانت أفكارهم هي السبب أما أنت فلا...
دع الآخرين يتركون مستقبلهم في أيدي غيرهم، لانعدم رؤيتهم الواضحة أما أنت فلا...

وأذكر نفسي واياكم بأن النجاح والفشل في أي عمل نقوم به.. يحدث بسبب اتجاهاتنا العقلية وليس بسبب القدرات العقلية التي منحها الله لنا)

شكرا لكم واسف على اطالة التعليق.. وفقكم الله
د. رمضان حسين الشيخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق